للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأخذ ما يريد بهدوء واطمئنان، لكن المنحرف من يدخل إلى غير حجرته ليأخذ شيئا من «دولاب» ما، حتى ولو كان «دولاب» الأب النائم، لذلك نجده يسير على أطراف أصابعه متلصصا ليفتح «دولاب» أبيه.

إذن: فالاستقامة لا تحتاج إلى تكلف، ولكن الانحراف هو الذي يحتاج إلى تكلف، ولذلك قال الله سبحانه: {استحبوا} ولم يقل؛ «أحبوا» ، لأن الحب أمر فطري، فالإنسان - مثلا - يحب ابنه حبا فطرياً عاطفياً، والحب العاطفي لا يقنن.

فأنت لا تستطيع أن تقول: سأحب فلاناً وسأكره فلاناً؛ لأن العاطفة لا تأتي بهذه الطريقة؛ لذلك أنت تحب ابنك عاطفياً، حتى وإن كان فاشلاً في دراسته. لكنك تحب ابن عدوك عقليا إن كان متفوقاً، إذن فالحب العقلي هو الذي يقنن له.

وكذلك أنت تكره الدواء المر بعاطفتك، لكنك تحبه بعقلك إن كان فيه شفاؤك، فتبحث عنه، وتدفع المال من أجله، وتحرص على أن تتناوله، وكلنا نعلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه» .

ووقف عند هذه سيدنا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وقال: يا رسول الله: أنا أحبك عن مالي وأحبك عن ولدي، ولكن كيف أحبك عن نفسي؟ فكرر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحديث قائلا: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه» .

وكررها عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ثلاثا، فعلم عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أن هذا تكليف. والتكليف لا يأتي إلا بالحب العقلي الذي يمكن أن يقنن. وقد يتسامى المؤمن في الحب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليصير حباً عقلياً

<<  <  ج: ص:  >  >>