فلويت وجهي عنك حتى لا أقتلك. فرد سيدنا أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لو أني رأيتُكَ لقتلتُكَ. وهذا منطقي مع الإيمان لأن الموازنة النفسية اقتضت أن يقارن ابن أبي بكر بين أبيه وبين صنم يعبده؛ فرجحت كفة أبيه، ولكن أبا بكر حين رأى ابنه قارن بين ربه وابنه فرجحت كفة ربه.
وإذا كان ذلك عن القرابة، وكيف يَجُبُّ الإيمان العاطفة، فماذا عن المال؟ يتابع المولى سبحانه وتعالى:{وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} أي: أخذتموها بمشقة، وهي مأخوذة من «القرف» وهي القشر، وأنت إن أردت إزالة القشر عن حبة نبات ما، قد تجد شيئا من المشقة؛ لأن هناك التصاقا بين القشرة والحبة، والحق هنا يقول:{وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} أي: أخذتموها بجهد ومشقة، وهو غير المال الموروث الذي لم يتعب فيه صاحبه، وإنما ورثه عن غيره، وفي هذه الحالة قد يكون أمره هيناً على صاحبه. أما المال الذي كسبه الإنسان بعرق جبينه وكدِّه فصاحبه أكثر حرصاً عليه من المال الموروث. ويقال:«فلان اقترف كذا» ، أي: أنه قام بجهد حتى حصل عليه، ويقال:«اقترف الكذب» و «اقترف السرقة» ، بمعنى أنه قد بذل جهدًا ليكذب، أو بذل جهدًا ليسرق، أي: قام بعملية فيها مجهود.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى:{فَتَرَبَّصُواْ حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} وسبحانه هنا يوضح لهم: انتظروا أمر الله الذي سوف يأتي، لأنه سبحانه لا يهدي فاسقاً خرج عن الإيمان، ولا يهدي من جعلوا حبهم للعلاقات الدنيوية فوق حب الله فخرجوا عن مشيئة هداية الله تعالى، فسبحانه لا يهديهم كما لا يهدي الظالمين أو الكافرين؛ لأن هؤلاء هم من قدموا الظلم والكفر والفسق، فكان ذلك سببا في أن الله لم يدخلهم في مشيئة هداية المعونة على الإيمان، أما هداية الدلالة فقد قدمها لهم.