يقال: إن نعيم الجنة هو النعيم الروحي أو نعيم الخواطر أو ما نسميه آمال النفس، كأن يتخيل إنسان جائع أنه أكل كمية كبيرة من اللحم أو السمك؛ فتسعد روحه بذلك من غير واقع يحدث، فكل هذا غير حقيقي، ولكنهم يقولون هذا الكلام؛ لأنهم إذا ما تصوروا نعيم الجنة كالخواطر، فسوف يكون عذاب النار مقابلاً أيضاً لنعيم الجنة، أي سيكون عذاب الخواطر، وفي هذا تصور لعذاب سهل؛ لأنهم يخافون عذاب النار فيريدونه عذاباً روحياً.
ولكن الإحساس بالنعيم والعذاب لا بد أن يكون له واقع يشبهه في الدنيا، وإلا ما وُجِد في أنفسنا ما يجعلنا نرغب في نعيم الجنة ونخاف من عذاب النار.
لذلك فإن نعيم الجنة حق، وعذاب النار حق. وشاء الله سبحانه أن يصفي النعيم من كل الشوائب، فقال عَزَّ وَجَلَّ عن أنهار الجنة:{وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}[محمد: ١٥] .
أي: ليس فيه كل الشوائب الموجودة في عسل الدنيا. وكذلك قال عن لبن الجنة:{وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}[محمد: ١٥] .
وكلمة {لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لها عند العرب أيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معنى؛ لأن العربي كان يحلب الجمال ويضع ألبانها في الأواني، وكان اللبن يتغير طعمه ويصير حامضاً، لكنه كان مضطراً أن يشربه؛ لذلك فحين يسمع {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} فهو يعطيه المثل من حياته، بعد أن ينقيه من كل الشوائِبِ التي تفسد طعم اللبن في الحياة الدنيا.
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى:{قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} أي الإيمان الواجب بعظمة الله وتنزيهه. واليهود يؤمنون إيماناً إجمالياً بالله، ولكنهم يُجسِّمونه ويقولون: إنه جلس على صخرة ومد قدميه في قصعة من الزمرد ثم استنكف الله أن يمده لبني إسرائيل، وهذا تصوير لا يليق بكمال