يكونوا موالين لا نافضين لأيديهم منا ومن حكمنا، والملحظ الثاني: أن يأتي بها بنفسه لا أن يرسل بها رسولاً من عنده، وإن جاء بها لا بد أن يأتي بها وهو ماش وأن يعطيها وهو واقف ومن يأخذ الجزية قاعد، وهذا هو معنى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} . ولماذا يعطونها عن صَغار؟ لأن الحق عَزَّ وَجَلَّ أراد للإسلام أن يكون جهة العلو، وقد صنع فيهم الإسلام أكثر من جميل، فلم يقتلهم ولم يرغمهم على الدخول إلى الإسلام؛ لذلك فعليهم أن يتعاملوا مع المسلمين بلا كبرياء ولا غطرسة، وأن يخضعوا لأحكام الإسلام، وأن يكونوا موالين للمسلمين، لا ناقضين الأيدي، وأن يؤدوا الجزية يداً بيد، وأما العاجز وغير القادر فيعفى من دفع الجزية.
{حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} والصَّغَار من مادة الصاد والغين والراء، وتدل على معنيين؛ إن أردتها عن السن يقال «صَغُر»«يَصْغُرُ» مثل قولنا: فلان كبر يكبر. وإن أردتها في الحجم والمقام نقول «صَغِر»«يصغَر» ، أي: صغر مقاماً أو حجماً، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}[الكهف: ٥] .
وهنا في قوله:{حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} تعني أن يؤدوها عن انكسار لا عن علو، حتى إنَّ من يُعطي لا يظن أنه يعطي عن علو، ونقول له: لا، إن اليد الآخذة هنا هي اليد العليا.
ثم أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا حيثيات قتال الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فقال بعد ذلك: