الذهب قليلاً وكمية النقد المتداولة كثيرة، وهكذا يبقى الذهب هو الحجة والأساس في الاقتصاد العالمي.
إذن: فالحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أراد أن يلفتنا إلى أن الذهب والفضة هما أساس التعامل في تسيير حركة العالم الاقتصادية، وأن هذا التعامل يقتضي الحركة الدائمة للمال؛ لأن وظيفة المال هي الانتفاع به في عمارة الأرض، ولو أنك لم تحرك مالك وكنت مؤمناً، فإنه ينقص كل عام بنسبة ٢ ٥ ... وهي قيمة الزكاة. ولذلك يفنى هذا المال في أربعين سنة. فإن أراد المؤمن أن يُبْقي على ماله؛ فيجب أن يديره في حركة الحياة ليستثمره وينميه ولا يكنزه حتى لا تأكله الزكاة؛ وهي نسبة قليلة تُدفَعُ من المال. ولكن إذا أدار صاحب المال ما يملكه في حركة الحياة، فسينتفع به الناس وإن لم يقصد أن ينفعهم به؛ لأن الذي يستثمر أمواله مثلاً في بناء عمارة ليس في باله إلا ما سيحققه من ربح لذاته، ولكن الناس ينتفعون بهذا المال ولو لم يقصد هو نفعهم؛ فمن وضع الأساس يأخذ أجراً، ومن جاء بالطوب يأخذ قدر ثمنه، ومن أحضر أسمنتاً أخذ، ومن جاء بالحديد أخذ، والمعامل التي صنعت مواد البناء أخذت، وأخذ العمال أجورهم؛ في مصانع الأدوات الصحية وأسلاك الكهرباء وغيرها، والذين قاموا بتركيب هذه الأشياء أخذوا، إذن: فقد انتفع عدد كبير في المجتمع من صاحب العمارة، وإن لم يقصد هو أن ينفعهم. ولذلك فإن الذي يبني عمارة يقدم للمجتمع خدمة اقتصادية ينتفع بها عدد من الناس، وكذلك كل من يقيم مشروعاً استثمارياً.
إذن: سبحانه وتعالى لا يريد من المال أن يكون راكداً، ولكنه يريده متحركاً ولو كان في أيدي الكافرين؛ لأنه إذا تحرك أفاد الناس جميعاً فيحدث بيع وشراء وإنتاج للسلع وإنشاء للمصانع، وتشغيل للأيدي العاملة إلى غير ذلك، ولكن إن كنز كل واحد منا ماله فلم يستثمره في حركة الحياة، فالسلع لن تستهلك، والمصانع ستتوقف، ويتعطل الناس عن العمل.