للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأراد الحق سبحانه أن يضع للسلام ضماناً، وهو أن توجد قوة تقف أمام الفساد في الأرض؛ لذلك شاء الحق أن يكون للحرب وجود في هذا الكون؛ لتتصارع الإرادات، فما دام للإنسان اختيار، وما دام هناك من يعصي ومن يطيع، فلا بد أن يحدث الصراع. أما الأمور التي لا اختيار للإنسان فيها فهي لا تعكر السلام في الكون، فلن تقوم ثورة - مثلاً - لكي تشرق الشمس، أو تشتعل حرب لإنزال المطر؛ لأن هذه الأمور تسير بقوانين القهر التي أرادها الله لها، وتعطي نفعها للجميع، ولكن الفساد يأتي من انحراف الناس عن منهج الله، وما دام في الكون حراس للمنهج من البشر، بحيث إذا انحرف إنسان ضربوا على يده حتى يعود إلى الطريق السليم؛ فإن الحياة المطمئنة الآمنة تبقى. ولكن إن عَمَّ الفساد، ولم يوجد في المجتمع من يقف ضده تعاندت حركات الحياة وتعب الناس في حياتهم وأرزاقهم.

ولكي يسود السلام في الكون؛ وضع الحق سبحانه في الزمن وفي المكان حواجز أمام طغيان النفوس؛ عَلَّها تفيق وتعود إلى الحق، فجعل في الزمان أشهراً حُرماً يمتنع فيها القتال، ويسود فيها السلام بأمر السماء، وأراد الحق أن يكون هذا السلام القسري فرصة تجعل هؤلاء المتحاربين يفيقون إلى رشدهم وينهون الخلاف بينهم، كذلك خصَّ الله بعض الأماكن بتحريم القتال فيها، فإذا التقى الناس في هذه الأماكن كانت هناك فرصة لتصفية النفوس وإنهاء الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>