للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا جئتَ إلى المقابل وهو الآخرة تجد أن النعيم فيها دائم لا يزول عنك، وأنت خالد لا تزول عن النعمة بالفناء أو الموت، وأنت لا تتمتع في الآخرة بقدراتك أنت، بل بقدرة الله سبحانه. فكأن المتاع أكبر كثيراً من قدرتك، وأعلى كثيراً من كل ما تستطيع أن تحققه. فمثلاً: إن كان معك ريال وجاءك رجل فقير فأعطيته له ليأكل به، تكون في ظاهر الأمر قد آثرتَ الفقير على نفسك؛ لأنك أعطيته كل ما تملك ليأكل به وحرمت نفسك منه، ولكنك في الحقيقة فضَّلْتَ نفسك على الفقير؛ لأنك أعطيته هذا الريال ليكون عند الله عشرة إلى سبعمائة ضعف، فمَنْ منكما الذي استفاد؟ ومَنْ منكما الذي انتفع؟ إنه أنت.

ولذلك نجد أن الدين الصحيح ضد الأنانية الحمقاء، ويُعْلي فيك الأنانية العاقلة بأن يجعلك تحب نفسك حباً أعلى. فأنت حين تتصدق تحب نفسك، ولذلك تريد أن تعطيها الأعلى والأنفع. فظاهر الأمر أنك أعطيت، وفي حقيقته أنك قد أخذت. وأنت حين تعطي إنساناً مساوياً لك كأن تقدم له هدية في مناسبة معينة، تنتظر أن يرد إليك الهدية بمثلها في مناسبة أخرى. إذن: فالعطاء مُتَساوٍ، وقد يرد هذا الإنسان الهدية، وقد لا يردها. وقد ينوي ردها ولكن تصادفه ظروف لا تُمكِّنه من أن يردها لك. لكن الحق سبحانه يقول: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ... } [البقرة: ٢٤٥] .

إذن: فحينما تعطي ابتغاء وجه الله فأنت لا تحصل على عطاء مُسَاوٍ لما أعطيت. لكنك تحصل على عطاء مضاعف أضعافاً مضاعفة. والذي يعطيك الثواب هو الله سبحانه وتعالى دائم الوجود، ولن ينفد عطاؤه لك؛ لأنه دائم القدرة، ولن يأتي عليه وقت يكون غير قادر على أن يرد

<<  <  ج: ص:  >  >>