وجعل سراقة بن مالك يقول: لا يمكن أن يكون محمد وصاحبه دخلا الغار، وإلا لكانا قد حطَّما عُشَّ الحمام، وهتكا نسيج العنكبوت.
ونحن نعلم أن أوهى البيوت هو بيت العنكبوت، فالحق سبحانه وتعالى يقول:{وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: ٤١] .
ويظهر الإعجاز الإلهي هنا في: أن الله سبحانه قد صد مجموعة كبيرة من المقاتلين الأقوياء بأوهى البيوت، وهو بيت العنكبوت، وقدرة الله تجلَّتْ في أن يجعل خيط العنكبوت أقوى من الفولاذ، وكذلك شاء الحق أن يبيض الحمام وهو أودع الطيور، وإنْ أهيجَ هاج.
وهذا نصر، ثم هناك نصر ثالث نفسي وذاتي، «فحين قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، نجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يرد في ثقة بربه:» ما ظنك باثنين الله ثالثهما «.
هذا الرد ينسجم مع سؤال أبي بكر؛ لأن أبا بكر كان يخشى أنهم لو نظروا تحت أقدامهم لرأوا مَنْ في الغار، وكان الرد الطبيعي أن يقال:» لن يرونا «، ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أراد أن يلفتنا لفتة إيمانية إلى اللازم الأعلى، فقال:» ما ظنك باثنين الله ثالثهما «، لأنه ما دام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأبو بكر في معية الله، والله لا تدركه الأبصار؛ فمن في معيته لا تدركه الأبصار.
وتكون كلمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الذي تعوَّد أبو بكر منه الصدق في كل ما يقول، تكون هي الحجة على صدق ما قال، فعندما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنه أسْرى به إلى بيت المقدس وعُرِج به إلى السماء، قال أبو بكر: