إذن: فقول الحق سبحانه وتعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} أي: لو كان أمراً من متاع سهل التناول، ومحبباً للنفس؛ وليس فيه مشقة السفر والتضحية بالمال والنفس؛ لأسرعوا إليه. {وَسَفَراً قَاصِداً} ، والقاصد هو المقتصد الذي في الوسط؛ وبعض الناس يسرف في الكسل، فلا يستنبط الخير من السعي في الأرض ومما خلق الله، وبعض الناس يسرف في حركة الدنيا ويركض كركض الوحوش في البرية، ولا يكون له إلا ما قسمه الله. وأمزجة الناس تتراوح ما بين الإسراف والتقتير، أما المؤمن فعليه أن يكون من الأمة المقتصدة. والحق هو القائل:{مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ}[المائدة: ٦٦] .
لأن المؤمن لا يأخذه الكسل فيفقد خير الدنيا، ولا يأخذه الإسراف فينسى الإيمان. إذن: فالحق سبحانه وتعالى يوضح لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه لو كان هناك متاع من متاع الدنيا أو سفر بلا مشقة ولا تعب لاتبعوك، فهم لم يتبعوك؛ لأنه ليست هناك مغانم دنيوية؛ لأن هناك مشقة، فالرحلة إلى تبوك، ومقاتلة الروم، وهم أصحاب الدولة المتحضرة التي تضع رأسها برأس دولة الفرس، وهذه أيضاً مشقة، والعام عُسْر والحر شديد، ولو أن الأمر سهل مُيسَّر لاتبعوك.
ويتابع سبحانه:{ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} أي: أن المشقة طويلة، ثم يقول:{وَسَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} هم إذن لم يتبعوك؛ لأن المسألة ليست عرضاً قريباً ولا سفراً سهلاً، بل هي رحلة فيها أهوال، وتضحيات بالمال والنفس، وحين تعود من القتال سوف يحلفون لك؛ أنهم لو استطاعوا لخرجوا معكم للقتال.