أي: أنكم إن صبرتم أو لم تصبروا فإن ذلك لن يغير شيئاً من الجزاء الذي سوف تلاقونه، فالأمر سواء. ولو كان قوله تعالى:{اعملوا مَا شِئْتُمْ} أمراً؛ لكان كل من عمل معصية داخلاً في الطاعة؛ لأن الله أمره أن يفعل ما يشاء. ولكن هذا أمر تمهيدي، أي: افعلوا ما شئتم فأنتم عائدون إلى الله وسيحاسبكم على ما عملتموه. ولن تستطيعوا الفرار من الله سبحانه.
وقوله تعالى:{أَنفِقُواْ} هو - إذن - أمر تمهيدي؛ لأنه لن يجديكم أن تنفقوا طوعاً أو كرهاً.
وكلمة {كَرْهاً} وردت في القرآن الكريم في أكثر من سورة، فهي في سورة آل عمران، وفي سورة النساء، وفي سورة التوبة، وفي سورة الأحقاف، وفي سورة الرعد، وفي سورة فصلت، قد ذكرت {كَرْهاً} بفتح الكاف وقرأها بعضهم بضم الكاف. وقال البعض: إن «كَرْهاً» بفتح الكاف و «كُرْهاً» بضم الكاف بمعنى واحد. نقول لهم: لا، إن المعنى ليس واحداً، فمثلاً قول الحق سبحانه وتعالى:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ... }[الأحقاف: ١٥]
فالكُره هنا ليس للحمل ولا للوضع، ولكن للمشقة التي تعانيها الحامل أثناء حملها وعند الولادة. فلم يكرهها أحد على هذا الحمل. ولكن البعض يقول: إن الحمل يحدث وليس للمرأة علاج في أن تحمل ولا أن تضع، فلا توجد امرأة تقول لنفسها:«سوف أحمل الليلة» ؛ لأن الحمل يحدث دون أن تَعيَ هي حدوثه، فالحمل يحدث باللقاء بين الرجل والمرأة. والمرأة لا تستطيع أن تختار ساعة الحمل ولا أن تختار ساعة الولادة، ولا تستطيع أن تقول: سألد اليوم أو لن ألد اليوم.