سبحانه وتعالى أن يشحننا ضد المنافقين وأن يجعلنا نحذر منهم كل الحذر، ويضرب لنا المثل باليمين، واليمين لا ينطق بها الإنسان عادة إلا بعد شبهة إنكار. فإذا جئت لإنسان بخبر وصدَّقه فأنت لا تضطر لأن تحلف له. ولكن إذا أنكره فأنت تحلف لتزيل شبهة الإنكار من نفسه، ولذلك فأنت حين تروي الخبر لأول مرة لا تحلف، فإن أنكره سامعك حلفْتَ.
ولكن لماذا يحلف المنافقون دون سابق إنكار؟
إنهم يسمعون القرآن الذي ينزل من السماء مملوءاً بالغضب عليهم، وهم يشعرون في داخل صدورهم أن كل مسلم في قلبه شك من ناحية تصرفاتهم، فيبدأون كلامهم بالحلف حتى يصدِّقهم المؤمنون، والمؤمنون قد متَّعهم الله بمناعة إيمانية، في صدورهم؛ فلا يصدقون ما يقوله المنافقون، حتى يأخذوا حِذْرهم ويكونوا بمنجاة مما يدبره هؤلاء المنافقون من أذى، ولذلك حذر سبحانه وتعالى المؤمنين من تصديق كلام المنافقين حتى ولو حلفوا.
ولو لم يُعط الله المؤمنين هذه المناعة الإيمانية لصدَّقوا قول المنافقين بقداسة اليمين. وبماذا حلف المنافقون؟ لقد حلفوا بأنهم من المؤمنين والحقيقة أنهم في مظاهر التشريع يفعلون كما يفعل المؤمنون، ولكن قلوبهم ليس فيها يقين أو صدق.
وما داموا على غير يقين وغير صدق، فلماذا يحلفون؟ نقول: إن هذا هو تناقض الذات، وأنت تجد المؤمن غيرَ متناقض مع نفسه؛ لأنه مؤمن بقلبه ومؤمن بذاته، ومؤمن بجوارحه، ولا توجد مَلَكَاتٌ تتناقض فيه،