سبحانه وتعالى هذا العمل إقراضاً له جل جلاله، وكأن الذي يعطي المال للمحتاج يقرض الله، ولله المثل الأعلى؛ كالأب الذي يعطي مصروفاً لأولاده، فيضعه كل منهم في حصالته، ثم تأتي للأب أزمة مالية، فيستأذن أولاده حتى يأخذ ما في حصالاتهم، رغم أن مال الأولاد هو من مال الأب، ورغم ذلك نجد الأب قد احترم ما وهبه من المال لأولاده؛ فاعتبره مالهم. كذلك الحق سبحانه وتعالى احترم عمل الإنسان، فاعتبر المال ماله، وطلب منه أن يقرضه.
وفي هذا مَيْزة للغني والفقير، فالغني يأخذ ميزة وشرف أنه أعطى لله، والفقير أخذ ميزة؛ لأن الله سبحانه وتعالى اقترض من أجله.
وجعل الله الزكاة من أركان الإسلام، وجعل هذا الركن لمصلحة الفقير. فالغني ليس له ركن في إيمان الفقير، ولكن الفقير له ركل من إيمان الغني. والغني حين يعطي جزءاً من ماله فهو يستغني عن هذا الجزء. وهناك فرق بين أن تستغني عن الشيء وتستغني بالشيء. والحق سبحانه وتعالى مستغن عن الكون وما فيه، فكأنه أعطى الغني صفة من صفات الحق؛ لأن الله مستغن عن مال الدنيا كله، والمال ليس سلعة مفيدة فائدة مباشرة للإنسان.
والمثال الذي أقوله دائماً، يوضح ذلك: لنفرض أن رجلاً عنده جبل من ذهب وتاه في صحراء لا يجد فيها لقمة خبز أو شربة ماء، فما هي فائدة جبل الذهب هذا؟ إنه لا يساوي شيئاً.
إذن: فالمال ليس غاية في حد ذاته، ولكنه وسيلة. وعندما يمنع الغني ماله عن الفقير يكون قد جعل المال غاية فلا ينفعه. أما إذا أعطى الغني بعضاً من المال للفقير؛ فهو قد أعاد إلى المال وظيفته في أنه وسيلة من وسائل الحياة. وأنت تشتري بالمال ما تعتقد أنه ينفعك؛ فعليك أن توظفه في أكمل ما ينفعك؛ وهو رضا الله سبحانه وتعالى وثوابه.