فالذي يبني عمارة - مثلاً - إنما يفتح باب العمل لمن يحضر الرمال، ولمن يحضر الطوب والأسمنت والحديد، وهو يدفع لوسائل نقل هذه المواد إلى موقع البناء، ويدفع أجوراً لمن قاموا بصناعة وتركيب الأدوات الصحية، والكهرباء، وغير ذلك وقد لا يستفيد صاحب العمارة منها لانتهاء أجله.
إذن: فالمجتمع كله يستفيد من بناء العمارة، حتى ولو لم يكن في بال صاحبها أن يفيد المجتمع، ويعتقد بعض الناس أن العمل وحده هو الذي يأتي بالمال، وينسون أن الله هو الذي ييسره لهم، ويُمَكّنُهم منه. ويلفتنا سبحانه إلى ذلك حين تأتي آفات تتلف الزرع وتُضَيّعُ تعب من قاموا بالحرث والبذر والسَّقْي؛ لعلنا نلتفت إلى أن كل شيء يتم بإرادة الله، وليس بالأسباب وحدها.
وسبحانه وتعالى حين يقضي بذلك، يلفتنا أيضاً لفتة فيبارك في زرع في بلد آخر أو مكان آخر، فإذا هلك محصول القمح في دولة، كانت هناك دولة أخرى يزيد فيها محصول القمح، فيشتري هؤلاء من هؤلاء، أو ترسل الدول التي جاءها محصول وفير إلى الدول التي هلك فيها الزرع كمعونة أو إغاثة، وبذلك تتعامل سبل الحياة.
ولا بد لنا أن نتذكر دائماً أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطانا القدرة، ولا أحد يستطيع أن يعطي القدرة للإنسان غير الله تبارك وتعالى. فالقدرة المطلقة هي لله سبحانه وتعالى، وسبحانه يُمرِّر بعضاً من أثر قدرته إلى خلقه، فنجد إنساناً يستطيع بقدراته أن يُعِين إنساناً آخر في حَمْل شيء ثقيل لا يستطيع صاحبه أن يحمله.
وفَرْقٌ بين أن تتبرع أنت بأثر قوتك؛ وبين أن تهبَ الغير هذه القوة. فالبشر يعطي أثر القوة، ولكن الحق سبحانه وتعالى يهب القوة لمن يشاء.