ولكنه يمحق كل خير، وظاهرة الزكاة أنها نقص، ولكنها في حقيقتها نماء. والنماء أن يترقى الشيء في مراتب الكمال؛ فينمو طهارة، وينمو تزكية، وينمو بالزيادة والبركة. والإنسان يحتاج إلى المال ليحصل على ضروريات الحياة وكمالياتها؛ فيطمئن إلى حاضره ومستقبله.
لكن لنفرض أن المال دام لك طول العمر، وأنت تعرف أن العمر مهما طال، قصير. ولا بد أن يأتي يوم تفارق فيه هذا المال بالموت. في هذه اللحظة يكون ما كنزت من المال قد صار إلى ورثتك، ولا يصحبك منه إلى آخرتك إلا ما أنفقت في سبيل الله، أي: أن ما أنفقت هو ما يبقى لك في عالم الخلود لا يفارقك ولا تفارقه.
وشاء الحق أن يضاعف لك الجزاء والثواب.
ويقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«يقول ابن آدم: مالي مالي. . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت؟»
إذن: فالذي يحب ماله عليه أن يصحب معه هذا المال لمدة أطول، وأن يتعدى به مجرد الوجود في الدنيا، وأن يصل به إلى دار الخلود. ومن يعشق المال - إذا أراد أن يبقيه - فلينفقه في الصدقة.
«ولنا الأسوة الحسنة في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين جاءته شاة كهدية، فقال للسيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها:» تصدقي بلحمها «. وكانت السيدة عائشة رضوان الله عليها تعرف أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحب لحم الكتف، فتصدقت بلحم الشاة كلها، وأبقَتْ قطعة من لحم الكتف لرسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.