وأما الحكمة فيدير بها الحق سبحانه حياة كل الناس، وكلهم عبيد لله، ولا فرق بين غني وفقير.
وشاء الحق أن يجعل التفرقة فقط في الدنيا؛ لأن العالم لا يحتاج إلى أفراد مكررين، ولا يمكن أن تستقيم الحياة إن كنا كلنا أطباء أو كلنا مهندسين أو كلنا قضاة؛ لذلك شاء سبحانه أن تتوزع المواهب على قدر ضروريات الحياة، فنبغ كل واحد منا في شيء؛ أنا أتقن شيئاً ولا أعرف الباقي، وغيري يتقن شيئاً آخر ولا يعرف الباقي. فأكون في حاجة إلى عمل غيري، وغيري يحتاج عملي، وبذلك يصير الرباط بيننا رباط حاجة ورباط رزق، لا رباط تفضل وتطوع.
إذن: فالحكمة اقتضت أن يوزع سبحانه وتعالى المواهب على الخَلق بقدر ما تتطلب الخلافة في الأرض من حركات الحياة؛ فأعطى هذا زاوية من نبوغ، وأعطى الآخر زاوية أخرى من النبوغ، ومن مجموع هذه الزوايا يتكون المجتمع، وسبق أن قلنا: إن مجموع كل إنسان يساوي مجموع الآخر، ولكن الناس لا تنظر إلا للمال، ولا يلتفتون إلى ما هو أهم من المال، كالصحة، والأخلاق، وراحة البال، وسعادة الأولاد وتوفيقهم، ثم البركة في الرزق وغير ذلك.
إنك لو وضعتَ لكل هذه الأشياء رقماً من عشرة مثلاً؛ تجد أن مجموع كل إنسان في النهاية يتساوى مع مجموع أي إنسان آخر، ولا تفاضل إلا بالتقوى. وإن رأى إنسان عاجز غيره ممن يملكون المال ولا يخرجون منه زكاة أو صدقة، فماذا يكون موقفه؟ لابد أنه سيتمنى زوال النعمة عن هؤلاء. ولكن إن عادت نعمة القادر الغني على من لا نعمة عنده، فهذا يجعل العاجز الفقير مُحِبّاً لدوام النعمة عند صاحبها؛ لأنه إن حُرِم الغني