وهكذا كان الإيذاء له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد الرسالة، أما قبل الرسالة فكان في نظر الجميع هو: الأمين والصادق والمؤتمن.
ومن العجيب أنهم، بعد أن نزل الوحي، كانوا لا يستأمنون أحداً مثلما يستأمنون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فإذا كان هناك شيء ثمين عند الكافرين المعارضين، ذهبوا إلى رسول الله ليحفظوا هذه الأشياء الثمينة عنده. وهذا التناقض لا يفسره إلا وثوقهم في أخلاقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ورغم ذلك كانوا في غيظ وكَمَدٍ؛ لأن القرآن قد نزل عليه. والحق هو القائل ما جاء على ألسنتهم:{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ}[الزخرف: ٣١]
وهم بذلك قد اعترفوا بألسنتهم بعظمة القرآن، بعد أن اعترفوا بسلوكهم بأمانة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكنهم اعترضوا على اختيار الحق سبحانه له، وتمنوا لو كان هذا القرآن قد نزل على أحدهم عظمائهم. ورد الحق سبحانه عليهم:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياوة الدنيا ... }[الزخرف: ٣٢]
وفي هذا دعوة لأن يتأدبوا مع الله سبحانه، فهو لم يوكلهم في اختيار من ينزل عليه رحمته، ورسالته، ولكنه سبحانه هو الذي يختار. وهو الذي قسم بين العباد معيشتهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وإذا كان لأحد نعمة من مال أو جاه أو مجد، أو غير ذلك، فهذا ليس من قدرات البشر أو من ذواتهم، ولكنه نعمة من الله.