ما قصة هؤلاء الأنبياء وأقوامهم؟ يقول الحق سبحانه وتعالى:{أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي أن قوم نوح وقوم إبراهيم وغيرهم أتتهم رسالات السماء ولم تأتهم الرسالة كمنهج فقط، بل جاءتهم معجزات تثبت صدق بلاغ الرسل عن ربهم، فكأنه لا حجة لهم أن ينصرفوا عن منهج السماء أو أن يكذبوا به؛ لأن كل منهج مُؤيَّد بمعجزة تثبت صدق الرسول في رسالته. وقد تتابع هؤلاء الرسل على البشر ليهدوهم إلى منهج السماء، ويبينوا لهم طريق الحق. وكان تعدد الرسالات في أول الخلق؛ لأن العالم كان منعزلاً عن بعضه البعض، حتى إن أقواماً عاشوا على الأرض في زمن واحد وأماكن متفرقة؛ ولم يعلم أحد منهم عن الآخر شيئاً، ولكن العالم الآن اتصل ببعضه البعض، بحيث إذا وقعت الحادثة في مكان، نراها عن طريق الأقمار الصناعية في ثوان، وربما في نفس الوقت الذي تحدث فيه؛ إن كان الحادث مُعدًّا له مسبقاً، وقد رأى العالم كله أول إنسان ينزل فوق سطح القمر في نفس اللحظة التي نزل فيها.
وعندما كان العالم يعيش في انعزال، كانت كل بيئة لها لون من المعصية والفساد، فكان الرسول يأتي ليحارب هذا اللون من المعصية والفساد الموجود في في بيئة معينة، ولا يوجد هذا اللون من المعصية والفساد في بيئة أخرى.
ولكن عندما توحد العالم توحدت الداءات؛ فالداء يظهر في أمريكا مثلاً، وبعد فترة قصيرة جدّاً يظهر في أوروبا أو في مصر. ولذلك كان لا بد أن يأتي رسول واحد؛ لأن الداءات أصبحت واحدة، واقتضى الأمر وحدة المعالجة؛ لذلك كانت رسالة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسالة عامة لكل الأزمان وكل الأمكنة.