لعصاة المؤمنين ناقص من الآخر، أما الذين عملوا الصالحات فهم يدخلون الجنة ابتداء وخلوداً، أما عصاة المؤمنين فلا يدخلون إلا بعد أن يناولوا جزاءهم من العقاب. وبذلك يكون خلود عصاة المؤمنين في الجنة ناقصاً من البداية؛ لأنهم لم يدخلوها بعد الحساب مباشرة، وخلودهم في النار ناقص من الآخر؛ لأنهم لم يخلدوا فيها:
ويقول سبحانه:{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي: أن مساكن المؤمنين في الجنة ستكون أيضاً جنات خاصة بها، وكلمة {عَدْنٍ} ؛ مادتها العين والدال والنون معناها الإقامة. و «عَدَنَ في المكان» ، أي أقام فيه. إذن: فهي جنات إقامة؛ لأن هناك فارقاً بين أن تسكن في فندق مثلاً، أو في مكان مؤقت، وبين أن تقيم خالداً.
وحين يعطي الحق سبحانه للمؤمن بُشْرى بأشياء، فهو يريد دائماً ألا ننسى أنها منسوبة إلى قدرته سبحانه، والشيء يتناسب مع قدرة صاحبه أو فاعله. فالرجل الفقير حين يبني مسكناً يكون المسكن متواضعاً؛ مجرد حوائط تستر الإنسان، أما صاحب الإمكانات الضخمة فيبني قصراً كبيراً، فإن كان واجد الوجود الأعلى هو الذي صنع، فكل شيء إنما يتم على مقتضى قدرته وإمكاناته؛ فهو الذي يمسك الأمور كلها، ويأتي تنفيذه لأي شيء وفق ما يريد.
إذن: فالخلود في جنات عدن خلود دائم، وهي جنات يعلو فيها التنعيم لدرجة من علوها لا يحب الإنسان أن يتركها أبداً؛ لأنها أعلى مراتب الجنة ولا يوجد أحسن منها. والإنسان حينما يكون بمكان فإنه لا ينتقل منه إلا إذا زهد ما فيه، فلو كان في جنات عدن مما يُزْهَدُ فيه بعد فترة ما وصفها الله بهذا الوصف.
ولكي يصل الإنسان إلى النعيم لابد من موجد لهذا النعيم وهو الله سبحانه وتعالى، وما يتمتع الإنسان به وهو الجنة، والمنْعَمُ عليهم بالنعمة،