ويقال: فلان بنجوة عن كذا، أي: بعيد عن كذا. وأصل النجوى أيضاً المكان المرتفع في الجبل، فكأن المرتفع بالجبل بعيد عن مستوى سطح الأرض. وحين يرغب إنسان أن يكلم أحداً بكلام لا يسمعه غيرهما؛ فهو يستأذنه في الابتعاد عن بقية الجلوس ليتكلم معه كما يريد، أو يُخفض من صوته فلا يسمعه سوى الإنسان الذي يريد أن يهمس له بكلمة، ولا يسمعها أحد آخر، ولذلك سموها المناجاة؛ وهي كلام لا يسمعه القريب؛ لأنك خفضت صوتك خَفْضاً يخفي على القريب، فكأنه صار بعيداً.
إذن: فالسر: هو ما احتفظت به في نفسك، والنجوى: هو ما أسررت به للغير بحيث لا يعلمه من يجالسك.
والذين منعوا الصدقة، لا بد أنهم اتفقوا على ذلك فيما بينهم، وأنهم تكلموا في هذا الأمر - منع الصدقة - بعد أن صاروا أغنياء ولهم أموال كثيرة، وتمردوا على منطق الإسلام مع أنهم كانوا حريصين دائماً أن يظهروا في إسلامهم مظهراً يفوق المسلمين الحقيقيين، فكانوا دائماً في الصفوف الأولى للصلاة كي يستروا نفاقهم.
وحين يوضح الحق سبحانه وتعالى أنهم أسرّوا في نفوسهم كلاماً؛ فهذا الإسرار في النفس حين يُخبر به الله؛ هو هتك لحجاب المكان والزمان معاً، وأعلم سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما دار في هذا الإسرار، كما هتك له من قبل حجب الزمان الماضي. وذلك في الأمور التي لم يشهدها، ولم يسمعها من معلم، ولم يقرأها في كتاب لأنه أمّي، فأخبر رسول الله عن أكثر من أمر لم يشهده ولم يسمعه ولم يقرأه.