للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك قال الشاعر:

وَضَعِيفَةٌ فإذَا أصَابَتْ فُرْصة ... قتلت كذلِكَ فُرْصَةُ الضُّعفَاءِ

أما القوي فإنه يقدر ويعفو؛ لأنه يعرف أنه يستطيع الإتيان بخصمه وقتما يشاء.

والأصل في المكر هو الشجرة الملتفة الأغصان كأنها مجدولة؛ بحيث لا تستطيع أن تميز الورقة التي تراها من أي فرع نبتت، فيلتبس عليك الأمر، كذلك المكر تختلط عليك الأمور بحيث لا تعرف أين الحقيقة. وأنت تمكر بقدر تفكيرك وعقلك، ولكن الحق سبحانه وتعالى حين يجازيك بمكرك يكون الجزاء رهيباً؛ لأن مكرك مفضوح عند الله، ولكنك لا تعرف شيئاً مما أعدَّه الله لك.

ولقد نصر الحق سبحانه وتعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الأمور العلنية في المعارك، ونصره أيضاً في كل أمر مكروا فيه وبيَّتوه له. وعلى سبيل المثال، حين وقف الكفار على باب بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليقتلوه في ليلة الهجرة. أوحى له ربه أن: اخرج ولا تَخْشَ مكرهم، فخرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليجدهم نياماً وهم واقفون، أعينهم مفتوحة ولكن لا تبصر. ويخرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من وسطهم. ويأخذ التراب، ويلقيه عليهم وهو يقول: «شاهت الوجوه» .

وعندما يبتعد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن المكان يستيقظون مرة أخرى، ويتعجبون كيف أفلت منهم. وقد أراد الحق سبحانه أن يعلموا أنهم لن يستطيعوا النَّيْل من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، لا بالمعارك المفتوحة ولا بالمكر الخفي.

وقوله تبارك وتعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ} تعرف منه أن سخرية الله جاءت جزاءً لهم على سخريتهم، والساخر من البشر لا يتجاوز

<<  <  ج: ص:  >  >>