وقال المنافقون للمؤمنين {لاَ تَنفِرُواْ} ، والنفور هو كراهية الوجود لشيء ما. ويقال: فلان نافر من فلان، أي: يكره وجوده معه في مكان واحد. ويقال: فلان بينه وبين فلان نفور، أي: يكرهان وجودهما في مكان واحد. والذي يخرج للحرب كأنه نفر من المكان الذي يجلس فيه ذاهباً إلى مكان القتال. ويكون القتال والتضحية بالمال والنفس في سبيل الله أحب إليه من القعود والراحة.
إذن: فقوله تعالى: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر} أي: أنهم يريدون أن يعطوا لأنفسهم عذراً لعدم الخروج للجهاد؛ لأن الجو حار وفيه مشقة. ولكنهم أغبياء؛ لأنهم لو خافوا من الحر ومشقته؛ وجلسوا في الظل ومتعته، لأعطوا لأنفسهم متعة زمنها قصير ليدخلوا إلى مشقة زمانها طويل.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} فإن كانوا قد اعتقدوا أنهم بهروبهم من الحر قد هربوا من مشقة، فإن مشقة نار جهنم والخلود فيها أكبر بكثير. والإنسان إن بُشِّر بأشياء تسره عاماً أو أعواماً، ثم يأتي بعدها أشياء تسوؤه وتعذبه، فهو بمعرفته بما هو قادم يعاني من الألم ولا يستطيع الاستمتاع بالحاضر؛ لأن الإنسان يحاول دائماً أن يتحمل؛ ليُؤمِّن مستقبله. ولذلك تجد من يعمل ليلاً ونهاراً وهو سعيد، فإذا سألته كيف تتحمل هذا الشقاء؟ يقول: لأؤمن مستقبلي. إذن: فسرور عام أو أعوام تفسده أيام أو أعوام قادمة