ولذلك فالضحك والبكاء يأتيان بل مقدمات، لا أقول لنفسي: سأضحك الآن فأضحك، ولا أقول: سأبكي الآن فأبكي؛ لأن هذا انفعال غريزي لا دخل للإرادة ولا للاختيار فيه. ولكننا أحياناً نلجأ إلى التضاحك أو إلى التباكي وهو مجرد ادعاء بلا حقيقة. ويكون ظاهراً فيه الافتعال. فحين يروي لك إنسان نكتة سخيفة، والمفروض أنه قالها لتضحك، ولكنها لا تضحك، وفي نفس الوقت أنت تريد أن تجامله فتفتعل الضحك، أي تضحك بافتعال. وكذلك البكاء فيه افتعال أيضاً مثل بكاء النادبة التي تجلس وسط أهل الميت وتبكي. وقد تضع بعض نقط الجلسرين في عينيها لتفتعل الدموع، وهذا كله افتعال. أما الضحك والبكاء الحقيقي، فأمران بالفطرة يملكهما الله سبحانه وتعالى وحده.
وقول الحق سبحانه وتعالى:{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} جاء بعد قوله: {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله} أي: أنهم فرحوا عندما بَقَوْا هم في المدينة، وخرج المؤمنون للجهاد. جلسوا في حدائق المدينة وهم فرحون في راحة وسرور يضحكون؛ لأنهم يعتقدون أنهم قد فازوا بعدم اشتراكهم في الجهاد. ولكن هذا الضحك هو لفترة قليلة. وسيأتي بعدها بكاء وندم لفترة طويلة وأبدية، عندما يدخلون جهنم والعياذ بالله.
ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال:{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} ولم يقل: سيضحكون قليلاً وسيبكون كثيراً، لماذا؟
نقول: عندما يُسند الفعل إلى المخلوق الذي يعيش في عالم الأغيار، والمختار في عدد من أفعاله، يُحتمل أن يحدث أو يجوز ألا يحدث. ولكن الحق سبحانه وتعالى حين يقول:{فَلْيَضْحَكُواْ} أي: أمر بالضحك، ثم يجيء في البكاء ويقول:{وَلْيَبْكُواْ} أي: ابكوا والأمر بالضحك والبكاء هو أمر اختياري من الله سبحانه وتعالى، تجوز فيه الطاعة وتجوز فيه المعصية؟