والحق هنا يقول:{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} وفي آية سابقة يقول مخاطباً النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ ... }[التوبة: ٨٣]
وهكذا نلاحظ أنه سبحانه حين نسب الرجوع إلى الصحابة والمجاهدين قال:{رَجَعْتُمْ} ، وعندما نسبه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:{فَإِن رَّجَعَكَ الله} مما يدلنا على أن زمام محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بيد ربه وحده، ولكن زمام أتباعه يكون باختيارهم.
وهنا يقول الحق:{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} ويأتي بعدها ذلك الرد الواضح على محاولة المنافقين في الاعتذار: {قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ} ، وفي هذا رد حاسم، فأنت حين يعتذر إليك إنسان فقد تستمع لعذره ولكنك لا تقبله، ومجرد استماعك للعذر معناه أن هناك احتمالاً في أن يكون هذا العذر مقبولاً أو مرفوضاً، ولكن حين ترفض مجرد سماع العذر، فمعنى ذلك ألاَّ وجه للمعذرة.
والحق سبحانه وتعالى يقول لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} فكأنما ساعة أقبل المنافقون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمرمنين؛ وتهيأوا للاعتذار؛ وقبل أن ينطقوا بالعذر؛ أوضح لهم الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: لا تعتذروا، ورفض مجرد إبدائهم للعذر. ثم فاجأهم بالحكم في قوله تعالى:{لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} ومادة «آمن» تدور حول عدة معان، نقول «آمن» أي: اعتقد وصدق مثل قولنا: «آمن بالله» ، ويقال:«آمن بالشيء» أي: صدَّقه، و «آمن بكذا» أي: صدَّق ما قيل. والحق هو القائل:{فَمَآ آمَنَ لموسى ... }[يونس: ٨٣]