لقد أمر رسول الله الناس ألا يكلموهم ولا يتعاملوا معهم، واستكان اثنان منهم وظلا في بيتهما، وهما هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، أما كعب بن مالك فكان يخرج ويلقى الناس فلا يكلمه أحد، ويذهب للصلاة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويسارق النظر إلى النبي ويسلم عليه، لكن رسول الله لا يرد، ويغض طرفه ويعرض عنه، حتى أن كعباً يقول:«فانظر هل حرك رسول الله شفتيه برد السلام أم لا؟» .
لماذا كل ذلك؟ . لقد أرادها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وسيلة إيضاح لكيفية إبعاد التأديب. وضاقت الدنيا على الثلاثة، وذهب كعب إلى ابن عمه أبي قتادة وتسلق عليه الحائط، لأنه يعلم أنه لو طرق الباب فلن يفتح له. ورغم تسلق الحائط إلا أن ابن العم أعرض عنه، فقال راجيا:«أنشدك الله، أنشدك الله، أنشدك الله» كل ذلك وابن عمه لا يرد عليه، ثم قال له:«تعلم أني أحب رسول الله» . فلم يرد عليه ابن العم وظل يتوسل سائلا عن موعد العفو، فقال أبو قتادة:«الله ورسوله أعلم» .
فلما مضت أربعون ليلة على هذا الإبعاد، فإذا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصعد التأديب فيطلب من الرجال الثلاثة من خلال رسول أرسله إليهم ألا يقربوا نساءهم. لقد دخل العزل إلى دائرة جديدة وهي دائرة المجتمع الخاص حيث الرجل وامرأته، فقال كعب لرسول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«أطلق زوجتي» ؟ . قال الرسول:«بل لا تقربها» . وقال قوم لكعب: اذهب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أو فلتذهب امرأتك لتستأذنه في أن تظل معك لتخدمك؛ فقد استأذنت امرأة هلال بن أمية رسول الله؛ فأذن لها أن تخدم زوجها. فقال كعب: والله لا أفعل، لأن امرأة هلال حينما ذهبت إلى رسول الله قال لها:«لا يقربنك» فقالت: «يا رسول الله والله إن هلالا ما به حركة لشيء» فأذن لها أن تظل لتخدمه. لكني رجل شاب وأخاف أن أستأذن رسول الله فلا يعطيني هذا الحق.
هكذا كان إبعاد التأديب، وليس بالطرد الكامل من حظيرة الإيمان، بدليل أن