للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنت تعلم أن الأشياء أعراض في الكون؛ القوة عرض، والمرض عرض، والصحة عرض، والعجز عرض، وأنت عُرْضة إن كنت قادراً أن تصير عاجزاً، وإن كنت صحيح الجسد فأنت عرضة لأن تمرض، فإذا ما طمأنك المشرع على أن أخاك العاجز حين عجز أخذنا منك له حين قدرت؛ وبذلك تواجه أنت الحياة برصيد قوي من الإيمان والشجاعة، ويبين الحق لك أنك لا تعيش وحدك، ولكنك تعيش في مجتمع متكافل، إن أصابك شيء من عجز، فقدرة الباقي هي المرجع لك.

وكان الواحد من هؤلاء الأعراب يؤدي نصاب الزكاة وهو كاره ويعتبرها مَغْرماً، ومنهم من كان يتمنى أن تصيب المسلمين كارثة؛ حتى لا يأخذوا منه الزكاة، وهكذا كان الواحد منهم يتربص بالمسلمين الدوائر، مصداقاً لقول الحق: {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} . أي يتمنى وينتظر أن يصيب الملسمين كارثة؛ فلا يأخذوا منه الزكاة التي اعتبرها مغرماً.

ولماذا قال الحق: {الدوائر} ؟ نعلم أن الخطْبَ الشديد حين يصيب الإنسان أو القوم إن كان فظيعاً وقويّاً يقال: «دارت عليهم الدوائر» . أي أن المصيبة أحاطت بهم؛ فلا منفذ لهم يخرجون منه، وكان بعض من الأعراب يتربصون بالمسلمين الدوائر؛ لأنهم كارهون لدفع الزكاة ويظنون أنها غرامة، ولا يستوعبون أن الزكاة تُكْتب في الميزان، وأنها تطهير ونماء للمال، وأنها حمل لعجز العاجز، إن عجز الواحد منهم؛ فسوف يجد من يحمله.

والذي يتربص بكم الدوائر، ولا يفطن إلى حكمة الأخذ منه، هو الذي تأتي عليه دائرة السوء مصداقاً لقوله الحق: {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛ لأن أيّاً منهم لم يفطن وينتبه لقيمة الوجود في

<<  <  ج: ص:  >  >>