للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن العجيب أن ينشأ النفاق في المدينة التي آوت الإسلام وانتشر منها، وانساح إلى الدنيا كلها، ولم يظهر في مكة التي أرادت أن تطمس الإسلام، وحارب سادتُها وصناديدُها الدعوةَ.

إذن: فلا بد أن نأخذ من النفاق ظاهرتين: الظاهرة الأولى وهي الظاهرة المرضيّة، حيث قال الحق: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً ... } [البقرة: ١٠]

أما الظاهرة الثانية فهي الظاهرة الصحية، فقد أصبح الإسلام قويّاً بالمدينة غيره عند بدء الدعوة في مكة. إنما يُنَافَق القوي؛ لأن المنافق يريد أن ينتفع بقوة القوى، كما أن المنافق يعرف أنه لن يستطيع مواجهة القوي، أو أن يقف منه موقف العداء الظاهر.

إذن: فالنفاق حين يظهر، إنما يظهر في مجالات القوة، لا في مجالات الضعف، فالرجل الضعيف لا ينافقه أحد، والرجل القوي ينافقه الناس. إذن: فالنفاق ظاهرة مرضية بالنسبة للمنافق، وظاهرة صحية في المنافَق.

وأراد الحق سبحانه أن يكشف للمؤمنين أمر المنافقين الذين يتلصصون عليهم، أي: يتخذون مسلك اللصوص؛ في أنهم لا يُواجهون إلا في الظلام، ويحاولون أن يدخلوا من مداخل لا يراهم منها أحد، ويتلمَّسون تلك المداخل التي لا تظهر، ويُخْفون غير ما يظهرون.

أما مواجهة الكافر فهي مسألة واضحة، صريحة؛ فهو يعلن ما يبطن، ويواجهك بالعداء. وأنت تواجهه بجميع قوتك وكل تفكيرك؛ لأنه واضح الحركة. أما المنافق الذي يُظهر الإيمان وفي قلبه الكفر، فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>