للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينتظره، أليس هذا عذاباً؟

إنه عذاب مؤكد.

{سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} ولو قال الحق: «نعذبهم مرتين» فقط بدون السين، لصار لها معنى آخر مختلف تماماً. يتلخص في أن من يصيبه عذاب، فقد انتهى حسابه. لكن قوله: {سَنُعَذِّبُهُم} يؤكد لنا كلما قرأناه أن العذاب متصل.

ويُنهي الحق الآية الكريمة بقوله:

{ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} وكلمة {يُرَدُّونَ} مثلها مثل {يُرْجعون} أو {يَرْجعون} ونحن نقول مرة: «يُرْجعون» وأخرى «يَرْجعون» ، فكأن النفس البشرية تألف جزاءها في قولنا: «يَرْجعون» ، أما قولنا: «يُرْجعون» ففي الكلمة قوة عليا تدفعهم ألا يتقاعسوا.

وهكذا نجد المعذَّب إما مدفوع بقوة عُليا، وإما أن توجد فيه بقوة ذاتية تجعله يذهب إلى العذاب. والإنسان قد يتصرف تصرفاً ما، ثم يرد إلى أفكاره فلا يعجبه هذا التصرف، ويستقبل نفسه بالتوبيخ وبالتعنيف؛ لأن هناك إلحاحاً من النفس على العقوبة، وهو إلحاح يأتي من ذات النفس.

والنفس الأمارة بالسوء قد تقضي حياتك معها في أمر بالسوء، ثم حين يأتي العقاب فأنت تقول لها: «اشربي أيتها النفس نتيجة ما فعلت» .

إذن فالمعذَّب يُدفع مرة للعذاب، وأخرى يندفع بذاته.

{ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} ومثلما قلنا من قبل: فإن هناك ألواناً متعددة من العذاب، فهناك العذاب العظيم، والأليم، والمهين، والمقيم. والعذاب العظيم يأتي إما بأسباب وإما بمسبِّب، وعذاب الدنيا كله

<<  <  ج: ص:  >  >>