لكن شاء الحق أن يجمع لسيدنا إبراهيم عليه السلام خصال خير كثيرة فقال:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} أي: فيه عليه السلام من خصال الخير التي تتفرق في الأمة. وبعد ذلك يعطينا الحيثية التي جعلت من سيدنا إبراهيم أمة، وجامعاً لصفات الخير بهذا الشكل، فإن أعطاه الله أمراً فهو ينفذه بعشق، لا مجرد تكليف يريد أن ينهيه ويلقيه من على ظهره، بل هو ينفذ التكليف بعشق، واقرأ قول الله سبحانه:{وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ... }[البقرة: ١٢٤]
أي: أتى بها على التمام، فلما أتمهن أراد الله أن يكافئه، فقال:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ... }[البقرة: ١٢٤]
فهو - إذن - مأمون على أن يكون إماماً للناس لأنه قدوة، أي أنه يشترك مع الناس في أنه بشر، ولكنه جاء بخصال الخير الكاملة فصار أسوة للناس، حتى لا يقول أحد: إنه فعل الخير لأنه ملك، وله طبيعة غير طبيعة البشر، لا. . إنه واحد من البشر، قال فيه الحق سبحانه:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ... }[البقرة: ١٢٤]
أي: أسوة وقدوة، والأسوة والقدوة يشترط فيها أن تكون من الجنس نفسه فلا تكون من جنس مختلف، فلا يجعل الله للبشر أسوة من الملائكة؛ حتى لا يقول أحد: وهل أنا أستطيع أن أعمل مثل عمله؟ ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في عرض هذه القضية:{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٤]