إذا كلف أمراً فعليه ألا ينفذ الأمر لينهى التكليف بأية طريقة، ولكن عليه أن يؤدي ما يكلف به بعشق، ويحاول أن يزيد فيه، وبذلك يؤدي «الفرض» والزائد على الفرض وهو «النافلة» .
ونحن هنا في قضية الاستغفار {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
وهنا وقفة توضح لنا طبع سيدنا إبراهيم كأواه حليم، والأواه هو الذي يكثر التوجع والتأوه على نفسه مخافة من الله، وعلى الناس إن رأى منهم معصية، فيحدث نفسه بما سوف يقع عليهم من عذاب، إنه يشعل نفسه بأمر غيره، فهذه فطرته، وهو أواه لأن التأوه لون من السلوى يجعلها الله في بعض عباده للتسرية عن عبادٍ له آخرين.
ولذلك يقول الشاعر:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ ... يواسيك أو يسلّيك أو يتوجع
أي: أنه إذا إصابت الإنسان مصيبة فهو يشكو إلى صاحب المروءة، فإما أن يساعده في مواجهة المشكلة، وإما أن يواسيه ليحمل عنه المصيبة، بأن يتأوه له ويشاركه في تعبه لمصيبته، وهذا التأوه علامة رقة الرأفة وشفافية الرحمة في النفس البشرية.
فإبراهيم {أَوَّاهٌ} ، وهذا طبع فيه يسلكه مع كل الناس، فما بالك إن كان لقريب له؟ لا بد إذن أن يكثر من التأوه، وخصوصاً إن كان الأمر يتعلق بأبيه، ومع ذلك أراد الله أن يضع طبع إبراهيم عليه السلام في التأوه