وكلمة {اتقوا} تعني: اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، ويتساءل البعض: هل يطلب أحد من الإنسان أن يجعل بينه وبين وقاية؟ إن العبد المؤمن يطلب أن يكون في معيَّة الله. وهنا تأتي ضرورة فهم صفات الجمال وصفات الجلال. إن قوله سبحانه:{اتقوا الله} يعني: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية، مثلما قال سبحانه:{اتقوا الله}[البقرة: ٢٤]
لأن النار من جنود صفات الجلال، فاجعلوا بينكم وبين الله وقاية من صفات الجلال.
وهنا يقول الحق:{اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} ، وفسر بعض العلماء قوله:{وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} بمعنى كونوا من الصادقين، أي: أن «مع» هنا بمعنى «من» والمقصود أن يعطي هذا القول معنى إجماليّاً عامّاً. لكني أقول: هنام فرق بين {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} و «كونوا من الصادقين» ، فقوله الحق:{وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} أي: التحموا بهم فتكونوا في معيّتهم وبعد أن تلتحموا بهم يأتي الذين من بعدكم ويجدونكم مع الصادقين.
ويقتضي الأمر هنا أن نتذكر ما سبق أن قلناه عن النسبة الكلامية والنسبة الذهنية، فأيُّ قضية تمر على ذهنك قبل أن تقولها هي نسبة ذهنية، مثل قولك:«محمد زارني» ، وأنت قبل أن تقول هذه العبارة جاء في ذهنك أن تنطقها، وهذه «نسبة ذهنية» . ومن يسمعك لا يدري بها، ولكونك المتكلم فأنت وحدك الذي تدري بها، فإذا ما نطقتها وسمعها منك المخاطب؛ علم أن نسبة ذهنية جاءت في ذهنك فترجمتها قولاً بالنسبة الكلامية. فحين قلت:«محمد زارني بالأمس» ؛ جاءت في ذهنك قل أن تقولها، فلما سمعها السامع عرف أن هناك نسبتين؛ نسبة سمعها عن نسبة عندك.
وحين يمحّص السامع هذا القول؛ يعلم أن هناك واحداً في الواقع اسمه محمد وعلم منك أنه قد زارك، وخبرته معك أنه قد زارك، وخبرته معك دائماً أنك صادق، إذن: