وليس من العجم. هو من قبيلتكم التي نشأ بينكم فيها. هو من تعرفون سلوكه قبل أن يبلغ عن الله، فما كذب على البشر في حق البشر. أفيكذب على البشر بحق الله؟
وقرأ عبد الله بن قسيط المكي هذه الآية:{مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالمقياس البشري هو من أقدركم وأحسنكم. ولذلك حينما جاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالدعوة عن الله، هل انتظرت سيدتنا خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن يأتي لها بمعجزة؟ هل انتظر أبو بكر أن يأتي له بمعجزة؟ لا، لم ينتظر أحدهما لأن كلاّ منهما أخذ المعجزة من ناحية تاريخه الماضي.
وحينما قال لخديجة:«يأتيني ويأتيني ويأتيني» وكانت ناضجة التكوين والفكر والعقل، وعلمنا مما قالت لماذا اختار الله له أن يتزوجها وعمره خمسة وعشرون عاماً، وعمرها أربعون سنة، مع أن المألوف أن يحب الإنسان الزواج ممن هي دونه في العمر.
لكن المسألة لم تكن زواجاً بالمعنى المعروف، لكنه زواج لمهمة أسمى مما نعرف، ففي فترة هذا الزواج ستكون الفترة الانتقالية بين البشرية العادية إلى البشرية التي تتلقى من السماء، وهذه فترة تحتاج إلى قلب أم، ووعاء أم تحتضنه وتُربِّت عليه.
فلو كانت فتاة صغيرة وقال لها مثلما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لخديجة لشكت في قواه العقلية، لكن خديجة العاقلة استعرضت القضية استعراضاً عقليّاً بحتاً. فحين قال لها: أنا أخاف أن يكون الذي يأتيني رئي من الجن. قالت