ومثال آخر: هب أنك ترى إنساناً يغرق أمامك في البحر، فهل توبخه؛ لأنه نزل البحر دون أن يتعلم العوم؟ أم تنقذه أولاً وتدفع الأذى عنه، ثم توبّخه وتعاقبه بعد ذلك جزاء إهماله؟
إنك تنقذه أولاً، وبذلك تكون قد قدمت الإحسان بدفع المضرة أولاً، وحتى إن عاقبته فهو يتقبل منك العقاب أو النهر؛ لأن صنيعك أنقذه من الموت.
إذن: فمراحل الفوز أن يُزْحزح الإنسان أولاً عن النار، ففي هذا سلب للمضرَّة، وجلب للمنفعة، وإن ظل الإنسان في موقعه لا هو في الجنة ولا هو في النار؛ فهذا هين أيضاً. وإن أدخل الجنة فهذا هو الخير كله.
وإذا كانت هذه هي بعض من خصال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ، و {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، و {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ، و {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، فهذه خصال إن استوعبها الإنسان فهو يندفع إلى اتباع هذا الرسول.
وقوله الحق:{بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} نرى فيه الوصف ب «الرءوف» والرأفة هي سلب ما يضر من الابتلاء والمشقة، و «رحيم» هو الذي يجلب ما ينفع من النعيم والارتقاء.
وحسبكم من هاتين الصفتين أن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله بهذين