ولا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، هذا هو الله ربكم، وما دام هو ربكم فاعبدوه؛ لأنه هو الذي خلق من عدم، وأمد من عُدْم، وله كل صفات الكمال المطلق.
وهذه العبادة لا تعود عليه سبحانه بأي فائدة، فسبحانه منزَّه عن فائدة تعود عليه؛ لأنكم إن عبدتموه فلن تزيدوا في ملكه شيئاً، وإن لم تعبدوه فلن تنقصوا من ملكه شيئاً. والعبادة يعود نفعها عليكم؛ لأنكم ستأخذون بها منهجاً يخرج كل الخلق عن أهوائهم، ويصير هوى الموجِّه واحداً، فلا تصطدم إرادة بإرادة، بل تتساند الإرادات؛ فيتكامل العالم.
إذن: فالعبادة توحِّد أهواء الخلق إلى مراد واحد، لا يأنف الإنسان منا أن يخضع له؛ لأن هذا ليس خضوعاً من بشر لبشر، بل خضوعاً من مخلوق لخالق، وبذلك تستقيم أموركم الاختيارية، كما استقامت أموركم غير الاختيارية.
وهكذا لا تنحصر العبادة في أركان الإسلام الخمسة فقط، بل تكون هذه الأركان الخمسة هي الدعائم التي تقوم عليها عمارة الإسلام، وكل الإسلام هو كل أمر لله وكل نهي له سبحانه؛ ولذلك حين نتابع تسلسل الأمور، سنجد أن أركان الإسلام الواجبة تعتمد على حركة الحياة كلها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.