إذن: فدرجة غليان المهل أعلى من درجة غليان الماء، والمادة كلها تفيد الحرارة.
وإن نظرنا إلى كلمة «حمّام» و «استحم» ، فهي تعني أن الماء حين ينزل على البدم يكون له ثلاث صور: الصورة الأولى مسح، والصورة الثانية غسل، والصورة الثالثة استحمام. والمسح أن تبل الشيء بالماء بدون أن يقطر منه شيء، والغسل أن تُسَيِّل الماء من الجسد المغسول، والاستحمام أيضاً فيه سيولة للماء. والغسل للتطهير، لكن الاستحمام للتنظيف، فإن أحدثت فأنت تقوم لتتوضأ. {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ ... }[المائدة: ٦]
تنفيذاً لأمر الله وهو غسل التطهير، ويقوم مقامه التراب في حالة عدم وجود الماء وهو التيمم. أما إذا كانت المسألة تنظيفاً فهي تحتاج إلى الاستحمام؛ لأن مسام الإنسان لها إفرازات قد تكون دهنية، وبعد ذلك تطرأ عليها أتربة تسدها، وهذه المسام أبعاض من الإنسان وأبعاض من تراب طاهر جاء على الجسم، وهي لا تنسجه، فإن اغتسلت فيكفي أن تصب الماء على الجسم، ولو بقي بعض من ذرات التراب على البدن فهذا لا يمنع الطهارة، لكن حين يستحم الإنسان فهو يأتي بماء حار؛ ليذيب القذارة وينقّي المسام، وتخرج بعض الأتربة ومعها الخلايا الجلدية الميتة وكأنها خيوط رفيعة.