والله سبحانه وتعالى في هذه الآية جاء بوضع الإنسان على الجنب وقائماً وقاعداً، ولم يأت بالمشي؛ لأن الماشي عنده قدرة فلا ضرّ في ذاته، إن أصابه ضرّ فمن غيره، والضرّ مقابل النفع، والنافع هو مَنْ يُبقِي الشيء على صلاحه الممتع المريح، في الذات أو في الخارج.
فساعة تكون ذاتك مستقيمة وملكاتها وأعضاؤها كلها سليمة؛ فليس عندك ضرّ، لكن إذا حدث خلل في أي عضو من الأعضاء؛ فالمتاعب تبدأ، ولذلك يقال عن السلامة العامة: هي ألا تشعر بأن لك أعضاء؛ لأنك حين تشعر أن لك عَيْناً - مثلاً - فاعرف أنها تؤلمك، وإذا شعرت بأذنك فاعرف أنها تؤلمك. وأنت تطحن الطعام بضروسك وتأكل ولا تدري بها. ويوم أن تدري بها فهذا المعنى أن ألماً قد بدأ.
وهكذا لا يشعر الإنسان بفقد السلامة إلا إذا عرف وانتبه إلى أن له عضواً من أعضائه، فيقول:«آه يا عيني» ، و «آه يا أذني» .
ونقول: إن وجع العين مؤلم ألماً مخصوصاً، وكذلك نقول: على أي عضو من الأعضاء، أما من لا يشكو بأعضائه فهو لا يشعر بها؛ لأنها تؤدي أعمالها على الوجه المناسب. والسلامة فيمن حولك تتمثل في أن يحققوا لك المتعة والصفاء بدون كدر. وبذلك تظهر منفعتهم لك.
وكل إنسان له كبرياء ذاتي، يبيّنها قول الحق سبحانه وتعالى:{كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى}
[العلق: ٦ - ٧] .
ولا يذل الإنسان إلا حين يعاني من آفة ما، ولا يأتي طغيانه إلا عند استكمال النعمة في الخارج والنعمة في الداخل، وإن بدأت النعمة