بُعِثَ بعثةً؛ ليتعلَّم علماً من مكان آخر، ولم يجلس إلى معلِّم عندكم ولا إلى معلِّم خارجكم، ولم يَتْلُ كتاباً، فإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن تأخذوا من هذا مقدِّمة وتقولوا: فمن أين جاءت له هذه الحكمة فجأة؟
أنتم تعلمون أن المواهب والعبقريات لا تنشأ في الأربعينات، ولكن مخايل العبقرية إنما ينشأ في نهاية العقد الثاني وأوائل العقد الثالث، فمن الذي آخّر العبقرية عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليقول هذا القول البليغ الذي أعجزكم، وأنتم أمّة البلاغة وأمة الفصاحة المرتاضون عليها من قديم، وعجزتم أمام ما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟
كان يجب أن تقولوا: لم نعرف عنه أنه يعلم شيئاً من هذا، فإذا حَلّ لكم اللغز وأوضح لكم: أن القرآن ليس من عندي؛ كان يجب أن تصدقوه؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعزوه إلى خالقه وربه سبحانه.
والدليل على أنكم مضطربون في الحكم أنكم ساعة يقول لكم: القرآن بلاغ عن الله، تكذِّبونه، وتقولون: لا، بل هو من عندك، فإذا فَترَ عنه الوحي مرّةً قلتم: قلاه ربُّه.
لماذا اقتنعتم بأن له ربّاً يَصِلُه بالوحي ويهجره بلا وحي؟
أنتم إذن أنكرتم حالة الوصل بالوحي، واعترفتم بالإله الخالق عندما غاب عنه الوحي، وكان يجب أن تنتبهوا وتعودوا إلى عقولكم؛ لتحكموا على هذه الأشياء، وقد ذكر الحق سبحانه ذلك الأمر في كثير من آياته، يقول سبحانه: