للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن نعلم أن الكسب إنما يكون في الأمر الفطري ويناسب الطاعات؛ لأن الطاعة أمر مناسب وملائم للفطرة، فلا أحد يستحي أن يصلِّي، أو يتصدق، أو يصوم، أو يحج، لكن من الناس من يستحي أن يُعرف عنه أنه كاذب، أو مُرَابٍ، أو شارب خمر.

والإنسان حين يرتكب السيئة يمر بتفاعلات متضاربة؛ فالذي يسرق من دولاب والده وهو نائم، تجده يتسلل على أطراف أصابعه ويكون حذراً من أن يرتطم بشيء يفضح أمره، كذلك الذي ينظر إلى محارم غيره.

كل هذا يدل على أن ارتكاب الشيء المخالف فيه افتعال، أي: يحتاج إلى اكتساب، ولكن الكارثة أن يستمر الإنسان في ارتكاب المعاصي حتى تصير دُرْبة، ويسهل اعتياده عليها؛ فيمارس المعصية باحتراف؛ فتتحول من اكتساب إلى كسب.

أوأن يصل الفاسق من هؤلاء إلى مرتبة من الاستقرار على الانحلال؛ فيروي ما يفعله من معاصٍ وآثام بفخر، كأن يقول: «لقد سهرنا بالأمس سهرة تخلب العقل، وفعلنا كذا وكذا» ، ويروى ذلك، وكأنه قد كسب تلك السهرة بما فيها من معاص وآثام.

ومن رحمة الله سبحانه بالخلق أنه يجازي مرتكب السيئة بسيئة مثلها، فيقول سبحانه: {جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} ، وتتجلى أيضاً رحمة الحق سبحانه وتعالى حين يعطي من لا يرتكب السيئة مرتبة؛ فيصير ضمن من قال عنهم الحق سبحانه: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} لكن الذين لم يهتدوا منهم من يقول الحق سبحانه عنهم: {مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أي: لن يجيرهم أحد عند الله تعالى، ولن يقول أحد لله سبحانه: لا تعذِّبْهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>