وجاء قول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بوسيلتين من وسائل الإدراك، وترك بقية الوسائل الثلاث الأخرى الظاهرة، مع أن العلم الحديث حين تلكم عن وظائف الأعضاء، احتاط للأمر وقرر أن هذه الحواس هي الحواس الخمس الظاهرة.
وهذا يعني أن هناك حواسّاً أخرى غير هذه سيكشف عنها، وهي حواس لم يكن القدماء يعرفونها، مثل حاسة البَيْنَ بَيْنَ، التي نفرق بها بين أنواع الأقمشة والأوراق وغيرها، وكثافة هذا النوع من ذلك، وهذه الحاسة توجد بين لمستين من إصبعين متقاربين.
وكذلك حاسة العَضَل التي تزن ثقل الأشياء، وتعرف حين تحمل ثقلاً ما مدى الإجهاد الذي يسببه لك، وهل يختلف عن إجهاد حَمْل ثقلٍ آخر.
وحين نظر العلماء في معاني الألفاظ قالوا:«النظائر حين تخالف فلا بد من علّة للمخالفة» فالسمع آلة إدراك، والبصر آلة إدراك، فلماذا قال الحق سبحانه في آلة الإدراك «السمع» ، وقال في الآلة الثانية «الإبصار» ؟ ، ولماذا جاء السمع بالإفراد، وجاء الإبصار بالجمع، ولم يأتْ بالاثنين على وتيرة واحدة؟
فنقول: إن المتكلم هو الله تعالى، وكل كلمة منه لها حكمة وموضوعة بميزان، وأنت، حين تسمع، تسمع أي صوت قادم من أي مكان، لكنك بالعين ترى من جهة واحدة، فإنْ أردتَ أن ترى ما على يمينك فأنت تتجه