طريق لا ترتضيه، هو دعوة للابن أن يستمر في فعل ما لا ترتضيه. إن عدم تربية الابن بالثواب والعقاب هو أمر ضار.
ولذلك نقول للذين يريدون أن يوجدوا علة لكل مُحَرَّم: أنتم لم تفطنوا إلى تحريم التأديب، فهناك تحريم لأمر لأنه ضار، وهناك تحريم لأمر آخر لأنك تريد أن تحرمه تأديباً له، وأنت لا يصح منك أن تجعل عملية التأديب في القيم دون عملية الإصلاح في المادة البدنية. والحق سبحانه وتعالى أرحم بخلقه من الأب بابنه، وهو قد حرم بعضاً من طيبات الحياة على بني إسرائيل للتأديب، فقال عَزَّ وَجَلَّ:{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠]
فالحق حرم عليهم الطيبات كتأديب لهم على ظلمهم لأنفسهم. إذن، ساعة ترى تحريماً فلا تنظر إلى تحريم الشيء الضار، لكن انظر أيضا إلى أن هناك تحريماً من أجل التأديب، لأن إباحة بعض من الطيبات لهؤلاء مع كونهم مخالفين للمنهج هو إغراء لهم بأن يكونوا مخالفين دائماً، ظالمين لأنفسهم.
فالحق قد منع ما يضر الإنسان في بدنه، ومنع أيضا بعضا من الطيبات على بعض المخالفين كتأديب لهم. وبالنسبة لتحريم الخنزير، فقد شاءت إرادة الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكشف لخلقه سر التحريم، فأثبت العلماء أن هناك أمراضاً في الخنزير لم تكن معروفة قبل ذلك، وتبين لهم خطورتها مثل الدودة الشريطية، وإِذا كان الحق سبحانه وتعالى قد كشف لهم سراً واحداً هو الدورة الشريطية، فربما هنا أسرار أخرى أخطر من الدودة الشريطية.
ويحرم الحق أيضا {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} والإهلال هو رفع الصوت، ولذلك يقال: هلل أي رفع صوته بلا إله إلا الله، ويسمى الهلال هلالاً؛ لأننا ساعة نراه نهلل ونقول:«الله أكبر، ربي وربك الله» وساعة يولد الولد، ويخرج من بطن أمه يتنبه إلى حياته وإلى ذاتية وجوده بعد أن كان ملتحما بذاتية أمه فهو يصرخ، إنه يبدأ حياته بالصراخ، ولذلك فالذين ينتظرون مولد الطفل عندما يستمعون لصرخته يطمئنون.