والإنسان كما خلقه الله تعالى صالح لأن يؤمن، وصالح لأن يكفر، فإرادته هنا تتدخل، لكن أبعاضه مؤمنة عابدة مسبحة، فاللسان الذي قد ينطق الكفر، هو في الحقيقة مؤمن مُسبِّحٌ، حامد، شاكر، لكن إرادة الإنسان التي شاءها الله سبحانه متميزة بالاختيار قد تختار الكفر والعياذ بالله فينطق اللسان بالكفر.
وقد تأتمر اليد بأمر صاحبها؛ فتمتد لتسرق، أو تسعى الأقدام مثلاً إلى محل احتساء الخمر، ولكن هل هذه الفاعلات راضية عن تلك الأفعال؟
لا، إنها غير راضية، إنما هي خاضعة لإرادة الفاعل.
وحين يسأل السؤال: من يبدأ الخلق ثم يعيده؟ فاللسان بفطرية تكوينه المؤمنة يريد أن يتكلم؛ لكنه لا يملك إرادة الكلام، فيبين الحق سبحانه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجيب نيابة عن الأبعاض المؤمنة، فيقول سبحانه:{قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ}[يونس: ٣٤] وهو بذلك يؤكد الصيغة، ويكفي أن يقول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذا القول مُبلِّغاً عن ربه، وينال هذا القول شرف العندية:
{قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ فأنى تُؤْفَكُونَ}[يونس: ٣٤] .
والإفك: هو الكذب المتعمَّد، وهو الافتراء، وهناك فارق بين الكذب غير المتعمد والكذب المتعمد، فالكذب غير المتعمد هو من ينقل ما بلغه عن غيره حسبما فهم واعتقد، وهو لون من ألوان الكذب لا يصادف الحق، ويتراجع عنه صاحبه إن عرف الحق.
أما الافتراء فهو الكذب المتعمد، أي: أن يعلم الإنسان الحقيقة