حدثت أقضية بعد تطبيق التشريع لم تكن في بالهم ساعة شرعوا، وذلك لقصور علمهم عما يحدث في الكون من القضايا التي تضطرهم وتلجئهم إلى أن يعدلوا القانون. فتعديل أي قانون بشري معناه حدوث أقضية لا يوجد لها تكييف في القانون عند التطبيق؛ فيلجأ المشرعون إلى تعديل القانون، ليضعوا فيه ما يتسع لهذه الأقضية.
ولكن الحق سبحانه وتعالى ساعة قنن. . فهو يقنن تقنينا يحمل في طياته كل ما يمكن أن يستجد من أقضية دون حاجة إلى تعديل، ولأن الإسلام جاء منهاجاً خاتما ولا منهج للسماء بعده، لذلك كان متضمنا كافة الاحتمالات. لقد كان من المعقول تعديل التقنينات عندما كانت الرسل تتوالى، لكن عندما ختم الله رسالات السماء بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كان لابد أن تكون التشريعات التي أنزلها الله على رسوله تحمل في ذاتها ضمانات تكفل ذلك.
إذن، فالضرورات التي اقتضت المشروع الوضعي أن يعدل قانوناً غفل عن جزئياته ساعة وضعه الأول، مثل هذه الأمور لا توجد في تشريعات السماء، لأن الله يعلم الأقضية التي تجئ.
وهب أن الضرورة التي تستلزم التعديل لم تكن موجودة، وبعد ذلك جدت ضرورات، أكان الحق يميت خلقه لأنه قال: لا تأكلوا الميتة؟ عندئذ كنا سنقول: ما هذه الحكاية؟ صحيح الميتة ستضر، وإنما المخمصة والمجاعة ستميت، فلماذا لا نتحمل أكل ما يضر بدلاً من أن نمتنع عن الأكل فنموت من الجوع؟
إذن فهي عدالة الحق التي قالت:{فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فالاضطرار له شرط هو: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} . وغير باغ يعني غير متجاوز الحد، فيأخذ على قدر حاجته الضرورية، مثلاً، لا يقول: إن الله أحل الميتة لمثل ما أنا عليه من الاضطرار ويملأ بطنه منها، لا، إن عليه أن يأخذ على قدر استبقاء الحياة. ولا يظن أن ذلك يصبح حلالاً، بل يقول: إن هذا حرام أبيح للاضطرار.
وأيضا لابد أن نلحظ قيمة الحقوق المتعلقة بالآخرين، هب أن إنساناً يملك فنجان ماء لا يكفيه إلا ليروي حلقه، وبعد ذلك جاء شخص آخر مضطر وقوي وضربه ليأخذ منه هذا الفنجان. نقول لهذا المعتدي: لا تعتد لأن للملكية سبقاً،