للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمغفرة. وعندما ترى فظاعة العقاب فلا تستهوله، ولكن انظر إلى فظاعة الجرم. إن الناس حين يفصلون الجريمة عن العقاب فهم يعطفون على المجرم؛ لأنهم لا يرون المجرم إلا حالة عقابه ومحاكمته ونسوا جريمته، ولذلك فساعة ترى عقوبة ما وتستفظعها؛ فعليك استحضار الجرم الذي أوجب تلك العقوبة. ولذلك نجد الناس غالباً ما يعطفون على كل المجرمين الذين يحاكمون وتصدر عليهم عقوبات صارمة، لأن الجريمة مر عليها وقت طويل، ولم نرها، وآثارها وتبعاتها انتهت. ولم يبق إلا المجرم؛ فيعطفون عليه، ولذلك فمن الخطأ أن تطول الإجراءات في المحاكمات، بل لابد من محاكمة المجرم من فور وقوع الجريمة وهي ساخنة؛ حتى لا يعطف عليه الجمهور، لأن تعطيف قلب الجمهور عليه يجعل العقوبة قاسية.

{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} ونعرف أن «الباء» تدخل على المتروك، فالضلالة هنا أُخِذَتْ وترك الهدى، واستبدلوا العذاب بالمغفرة، وماداموا قد أخذوا الضلالة بدلا من الهدى، والعذاب بدلا من المغفرة، فالعدالة أن يأخذوا العذاب الأليم.

وبعد ذلك يقول الحق: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} هذا تبشيع للعقاب حتى يُنَِّفر منه الناس. ويريد منا الله أن نتعجب، كيف يجوز للضال أن يترك الهدى ويأخذ الضلال، وبعد ذلك تكون النتيجة أن يأخذ العذاب ويترك المغفرة. فما الذي يعطيه الأمل في أن يصبر على النار؟ ، هل عنده صبر إلى هذا الحد يجعله يقبل على الذنب الذي يدفعه إلى النار؟ . وما الذي جعله يصبر على هذا العذاب؟ أعنده قوة تُصَبِّره على النار؟ وما هذه القوة؟ .

وكأن الحق يقول: أنت غير مدرك لما ينتظرك من الجزاء وإلا ما الذي يصبرك على هذه النار؟ إنك تتمادى في طغيانك وضلالك، وتنسى أن النار ستكون من نصيبك؛ فإذا كنت متيقناً أن النار من نصيبك؛ فكيف أخذت أماناً من صبرك على النار. فالنار أمر لا يصبر عليه إنسان أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>