وبعد ذلك جاء الله بقوله:{واليتامى} ، ونعرف أن اليتيم هو من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال.
واليتيم في الإنسان غير اليتيم في الحيوان؛ فاليتيم في الحيوان هو من فقد أمه، ولكن اليتيم في الإنسان هو من فقد أباه. واليتيم لا يكون له وصي إلا إذا كان عنده شيء من مال، عندئذ يكون هناك وصي لإدارة أمور اليتيم. ولذلك جاء الحق بالأمر بإعطاء المال على حبه لليتامى، ولم يقل:«لذوي اليتامى» . فربما كان هناك يتيم ضاع لا يتقدم أحد للوصاية عليه، وليس عنده ما يستحق الوصاية؛ لذلك فعلينا أن نؤتي اليتيم من مال الله حتى ندخل في صفات البر، أو نعطي للوصي على اليتيم لينفق عليه إن كان له وصي.
وكذلك نؤتي المال للمساكين، والمسكين مأخوذة من السكون، وهو الإنسان الذي لا قدرة له على الحركة، كأن استخذاءه وذله في الحياة منعاه من الحركة.
واختلف الفقهاء حول من هو الفقير، ومن هو المسكين، قال بعضهم: إن الفقير هو من لا يملك شيئا، والمسكين يملك ما لا يكفيه، أي يملك شيئا دون ما يحتاجه، وقال البعض الآخر: إن الفقير هو الذي يملك ما هو دون حاجته، والمسكين من لا يملك.
وعلى كل حال فقد شاءت حكمة الله عَزَّ وَجَلَّ أن يجعل للفقير نصيبا من البر وللمسكين أيضا نصيبا كالآخر، والخلاف بين العلماء لا يؤدي إلى منع أحدهما من المال، لأن كلا منهما المسكين والفقير يستحق من مال الله. وعلى ذلك فالخلاف لا طائل من ورائه.
وكذلك نؤتي المال لابن السبيل، والسبيل هو الطريق، وابن السبيل هو ابن الطريق، وعادة ما يُنسب الإنسان إلى مكانه أو إلى بلده، فإذا قيل ابن السبيل، فذلك يعني أنه ليس له مكان يأوي إليه إلا الطريق، فهو رجل منقطع، وقد يكون ابن سبيل ذا مال في مكانه، إلا أن الطريق قطعه عن ماله وباعد بينه وبين ما يملك أو يكون ذا مال وسرق منه ماله، فهو منقطع.