عندك» ، إنما يقول لك:«أقرضني أنا، لأني أنا الذي أوجدته في الكون ورزقه مطلوب مني» ، فكأنك حين تعطيه تقرض الله، وهذا معنى قوله:{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} . إنه سبحانه وتعالى متفضل بالنعمة ثم يسألك أن تقرضه هو.
ولنضرب على ذلك مثلاً من أمر الدنيا وسبحانه وتعالى منزه عن كل مثل وله المثل الأعلى هب أنك محتاج وفي ضائقة مالية، وعندك أولاد ولهم مبالغ مدخرة مما كنت تعطيهم من مال فتقول لهم أقرضوني ما معكم من مال؛ وسأرده لكم عندما تمر الضائقة. كأنك لم ترجع في هبتك وما أعطيته لهم من مال، إنما اقترضته منهم، كذلك يفعل الله سبحانه وتعالى.
وكذلك لنا عبرة وعظة من السيدة فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عندما دخل عليها سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فرآها ممسكة بدرهم، والدرهم يعلوه الصدأ وأخذت تجلوه، فسألها أبوها: ما تصنعين يا فاطمة؟ قالت: أجلو درهما. قال: لماذا؟ قالت: لأني نويت أن أتصدق به، قال: ومادمت تتصدقين به فلماذا تجلينه؟ قالت: لأني أعلم أنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد المحتاج.
ومن البر أيضا أن يفي الإنسان بالعهد، فالحق يقول:{والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ} . وما معنى العهد؟ . إن هناك عهداً، وهناك عقد.
والعهد يوجد من طرفين تعاهدا على كذا، لكن قد يستطيع أحدهما العطاء ولا يستطيع الآخر الرد. والعقد يوجد بين طرفين أيضاً، أحدهما يعطي ويأخذ، والآخر يعطي ويأخذ.
ومن البر أن تكون من {والصابرين فِي البأسآء والضراء} . ولنا أن نلحظ أن الحق جاء ب {والموفون بِعَهْدِهِمْ} مرفوعة لأنها معطوفة على خبر لكن البر، فلماذا جاء {والصابرين} منصوبة؟ فماذا يعني كسر الإعراب؟ إن الأذن العربية اعتادت على النطق السليم الفصيح فإذا كان الكلام من بليغ نقول: لم يكسر الإعراب هنا إلا لينبهني إلى أن شيئاً يجب أن يفهم، لأن الذي يتكلم بليغ ومادام بليغاً وقال قبلها: