والحالة الثانية: أنه رأى أن ما يفعله الناس لا يلزمه بتكليف، ولكن الرسول الذي يأتي إنما يلزمه بمنهج، فلا يكسب على سبيل المثال إلا من حلال، ولا يفعل منكراً، ولا يذم أحداً، وهكذا يقيد المنهج حركته، لكن إن اتبع حركة آبائه الضالين، فالحركة تتسع ناحية الشهوات.
ولذلك أقول دائماً: إن مسألة التقليد هذه يجب أن تلفت إلى قانون التربية، فالنشء ما دام لم يصل إلى البلوغ فأنت تلاحظ أنه بلا ذاتية ويقلد الآباء، لكن فور أن تتكون له ذاتية يبدأ في التمرد، وقد يقول للآباء: أنتم لكم تقاليد قديمة لا تصلح لهذا الزمان، لكن إن تشرَّب النشء القيم الدينية الصحيحة؛ فسيمتثل لقانون الحق، ويحجز نفسه عن الشهوات.
ونحن نجد أبناء الأسر التي لا تتبع منهج الله في تربية الأبناء وهم يعانون من أبنائهم حين يتسلط عليهم أقران السوء، فيتجهون إلى ما يوسع دائرة الشهوات من إدمان وغير ذلك من المفاسد.
لكن أبناء الأسر الملتزمة يراعون منهج الله تعالى؛ فلا يقلدون آحداً من أهل السوء؛ لأن ضمير الواحد منهم قد عرف التمييز بين الخطأ والصواب.
ثم إن تقليد الآباء قد يجعل الأبناء مجرد نسخ مكررة من آبائهم، أما تدريب وتربية الأبناء على إعمال العقل في كل الأمور، فهذه هي التنشئة التي تتطور بها المجتمعات إلى الأفضل إن اتبع الآباء منهج الله تعالى، وتتكون ذاتية الابن على ضوء منهج الحق سبحانه، فلا يتمرد الابن متهجاً إلى الشر، بل قد يتمرد إلى تطوير الصالح ليزيده صلاحاً.
التقليد إذن يحتاج إلى بحث دقيق؛ لأن الإنسان الذي سوف تقلده، لن يكن مسئولاً عنك؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو القائل: