فإصلاح ذلك الإثم أمر واجب. وهذه هي دقة التشريع القرآني الذي يشحذ كل ملكات الإنسان لتتلقى العدل الكامل.
والحق عالج قضية التشريع للبشر في أمر القصاص باستثمار كل ملكات الخير في الإنسان حين قال:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف} . إنه ليس تشريعا جافاً كتشريع البشر. إنه تشريع من الخالق الرحيم العليم بخبايا البشر. ويستثير الحق في البشر كل نوازع الخير، ويعالج كذلك قضية تبديل الوصية التي وصى بها الميت بنفسه، فمن خالف الوصية التي أقيمت على عدالة فله عقاب.
أما الذي يتدخل لإصلاح أمر الوصية بما يحقق النجاة للميت من الجنف أي الحيف غير المقصود ولكنه يسبب ألماً، أو يصلح من أمر وصية فيها إثم فهذا أمر يريده الله ولا إثم فيه ويحقق الله به المغفرة والرحمة. وهكذا يعلمنا الحق أن الذي يسمع أو يقرأ وصية فلا بد أن يقيسها على منطق الحق والعدل وتشريع الله، فإن كان فيه مخالفة فلا بد أن يراجع صاحبها. ولنا أن نلحظ أن الحق قد عبر عن إحساس الإنسان بالخوف من وقوع الظلم بغير قصد أو بقصد حين قال:{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم} .
إن كلمة {خَافَ} عندما تأتي في هذا الموضع تدل على الوحدة الإيمانية في نفوس المسلمين. إن المؤمن الذي يتصدى لإصلاح من هذا النوع قد يكون غير وارث، ولا هو من الموصي لهم، ولا هو الموصي، إنما هو مجرد شاهد، وهذه الشهادة تجعله يسعى إلى التكافل الإيماني؛ فكل قضية تمس المؤمن إنما تمس كل المؤمنين، فإن حدث جنف فهذا يثير الخوف في المؤمن لأن نتيجته قد تصيب غيره من المؤمنين ولو بغير قصد، وهكذا نرى الوحدة الإيمانية.
إن الإيمان يمزج المؤمنين بعضهم ببعض حتى يصيروا كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ولهذا فعندما يتدخل المؤمن الذي لا مصلحة مباشرة له في أمر الإرث أو الوصية ليصلح من هذا الأمر فإن الحق يثيبه بخير الجزاء.