{واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب}[الأنفال: ٢٥]
ويقول شيخنا «حسنين مخلوف» مفتي الديار المصرية الأسبق في شرح هذه الآية: أي احذروا ابتلاء الله في محن قد تنزل بكم، تعم المسيء وغيرهم، كالبلاء والقحط والغلاء، وتسلط الجبابرة وغير ذلك، والمراد تحذير من الذنوب التي هي أسباب الابتلاء، كإقرار المنكرات والبدع والرضا بها، والمداهنة في الأمر بالمعروف، وافتراق الكلمة في الحق، وتعطيل الحدود، وفشو المعاصي، ونحو ذلك. وفيما رواه البخاري: عندما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «» ويل للعرب من شر قد اقترب. . «فقيل له: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:» نعم إذا كثر الخبث «» .
إذن فلا يعتقد مسلم أنه غير مسئول عن الفساد الذي يستشري في المجتمع، بل عليه أن يُحذر وأن يُنبه. ولذلك نجد أن حكمة الحق قد فرضت الدية على العاقلة، أي على أهل القاتل، لأنهم قد يرون هذا القاتل وهو يمارس الفساد ابتداء، فلم يردعه أحد منهم، لكنهم لو ضربوا على يده من البداية لما جاءهم الغرم بدفع الدية، لذلك فعندما تسمع قول الله عَزَّ وَجَلَّ:{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً} إياك أن تقول: لا شأن لي بهذا الأمر لا، إن الأمر يخصك وعليك أن تحاول الإصلاح بين الموصي له، وبين الورثة. وقوله الحق:{فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} يعني إدخاله في دائرة الذين يبدلون القول والتي تناولناها بالخواطر قبل هذه الآية، بل لك ثواب على تدخلك؛ فأنت لم تبدل حقا بباطل، بل تزحزح باطلاً لتؤسس حقاً، وبذلك تُرَطبُ قلب الوارث على ما نقص منه، وتقيم ميزان العدل بالنصيحة، وتُسخي نفسه ليقبل الوصية بعد تعديلها بما يرضي شريعة الله. إن الله يريد إقامة ميزان العدل وأن يتأكد الاستطراق الصفائي بين المؤمنين فلا تورث الوصية شروراً.