ونحن نعلم أيضاً أن كل حدث من الأحداث يقتضي زماناً، ويقتضي مكاناً.
وكان العرب دائمي الغارات على بعضهم البعض، فأراد الحق سبحانه أن يوجد مكان يحرم فيه القتال؛ فخصَّ البيت الحرام بذلك، وأراد سبحانه أن يوجد زمان يحرم فيه القتال؛ فكانت الأشهر الحرم؛ لان الحرب قد تكون سجالاً بين الناس وتوقظ فيهم الحمية والأنفة والعزة.
وكل واحد منهم يحب في ذاته أن ينتهي من الحرب، ولكنه لا يحب أن يجبن أمام الناس، فأراد الحق سبحانه أن يجعل لهم شيئاً يتوارون فيه من الزمان ومن المكان، فحرم القتال في الأشهر الحرم.
وما إن تأتي الأشهر الحرم حتى يعلن المقاتل من هؤلاء: لولا الأشهر الحرم لكنت قد أنزلت بخصمي الهزيمة الساحقة، وهو يقول ذلك ليداري كبرياءه؛ لأنه في أعماقه يتمنى انتهاء الحرب.
وكذلك حين يدخل مقاتل إلى البيت الحرام، هنا يقول مَنْ كان يحاربه: لو لم يدخل الحرم؛ لأذقته عذاب الهزيمة.
وبمضيِّ الزمان وبالمكث في المكان ينعم الناس بالأمن والسلام، وربما عشقوه فانتهوا من الحرب.
ثم يقول الحق سبحانه:{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً والذين آمَنُواْ مَعَهُ}