ولذلك يقال إن الملائكة قالت له: إن ركنك لشديد؛ ولذلك قال:
{أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود: ٨٠] .
والشيء الشديد هو المتجمِّع تجمُّعاً يصعب فَصْلُه، أو المختلط اختلاطاً بمزجٍ يصعب تحلُّله؛ لأنك حين تجمع الأشياء؛ فإما أن تجمع أشياء أجناسها منفصّلة، ولكنك تربطها ربطاً قوياً، مثل أن تربط المصلوب على شجرة برباط قوي، لكن كليهما المصلوب والشجرة، منفصل عن الآخر وله ذاته، وهناك ما يُسمَّى خلطاً، وهناك ما يُسمَّى مزجاً، والخلط هو أن تخلط أشياء، وكل شيء منها متميز عن غيره بحيث تستطيع أن تفصله، أما المزج فلا يمكن فصل الأشياء الممتزجة ببعضها.
ومثال ذلك: أنك قد تخلط فول التدميس مثلاً مع حبات من الفول السوداني، وتستطيع أن تفصل الاثنين بعضهما عن بعض؛ لأنك جمعتهما على استقلال. ولكن إن قُمْتَ بعصر ليمون على كوب من الماء المحلى بالسكر؛ فهذا مزج يصعب حَلُّه.
وقد قال لوط عليه السلام ذلك لأنه لم يكن في مَنعةٍ من قومه، أهل «سدوم» ويقال: إنها خمس قرى قريبة من «حمص» .
وقد تعجَّب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من قول لوط، فقال فيما رواه البخاري:
«رحم الله أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد» .
فَلِهوْل ما عانى لوط عليه السلام من كرب المفاجأة قال ذلك، وهو يعلم أنه لا يوجد سند أو ركن أشد من الحق سبحانه وتعالى.