جعل فيك زاوية اختيار، وتذكّر أنك على أساس من هذه الزاوية تتلقَّى التكليف من الله ب «افعل» ، و «لا تفعل» ؛ لأن معنى «افعل كذا» : أنك صالحٌ ألاّ تفعل؛ ومعنى «لا تفعل كذا» : أنك صالحٌ أنْ تفعل؛ لأن لديك منطقة اختيار؛ ولكن لديك في زواياك الأخرى منطقة قَهْرٍ وتسخير، فتأدَّبْ في منطقة الاختيار، كما تأدبت في منطقة الاضطرار والقهر.
وقد وصف الحق سبحانه الإنسان بأنه كنود، قال تعالى:
{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}[العاديات: ٦] .
لإن الإنسان لا يتذكر أحياناً أن مهمة عقله الأولى هي أن يعقل حدوده، وأن يقول لنفسه: ما دامت الحيوانية فيَّ مقهورة، وما دامت الجمادية فيَّ مقهورة؛ فَلأكُنْ مؤدباً مع ربي، وأجعل منطقة الاختيار على مراد منهج الله.
وأنت إنْ أردتَ أن تضع إحصائية ل «افعل» ولا «تفعل» لوجدت ما لم يَرِدْ فيه تكليف ب «افعل» و «لا تفعل» لا يقل عن خمسة وتسعين في المائة من حركة الحياة، وهو المباح.
وأنزل الله سبحانه التكليف لتنضبط به حركة حياتك كلها إنْ جعلت التكليف هو مرادك وهو لن يأخذ أكثر من خمسة في المائة من حركة الحياة، ويعود خير ذلك عليك.